فصل: (مسألة: في النية ومحلها وزمنها وكيفيتها)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة: التضبيب بالذهب والفضة]

قال الشافعي: (وأكره المضبب بالفضة؛ لئلا يكون شاربًا على فضة).
وجملة ذلك: أن التضبيب بالذهب والفضة يبنى على استعمال آنية الذهب والفضة، فإن قلنا بالقول القديم: (إنه لا يحرم استعمالها).. فالتضبيب بهما أولى بالجواز. وإن قلنا بالجديد: (وأنه يحرم استعمال آنيتهما).. فهل يجوز التضبيب بهما؟
أما الذهب: فذكر الشيخ أبو إسحاق: أنه يحرم التضبيب به؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذهب والحرير: «هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها».
وإن اضطر إلى الذهب.. جاز؛ لما روي: «أن عرفجة بن أسعد أصيبت أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا ً من فضة، فأنتن، فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتخذ أنفًا من ذهب».
وذكر المسعودي [في "الإبانة": ق \ 13]، والجويني: أنه كالتضبيب بالفضة.
وقد اختلف أصحابنا في التضبيب بالفضة، على ثلاثة أوجه:
فـالوجه الأول: قال أبو إسحاق: إن كان التضبيب في غير شفة الإناء.. جاز؛ لأنه لا يقع عليه الشرب، وإن كان في شفة الإناء.. لم يجز؛ لأنه يكون شاربًا عليه.
والوجه الثاني - وهو المشهور -: أن التضبيب على أربعة أضرب:
ضرب يسير لحاجة، كحلقة القصعة، وشعيرة السكين، وضبة القصعة، وما أشبهه.. فهذا مباح غير مكروه؛ لما روي: «أنه كان حلقة قصعة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فضة»، و «قبيعة سيفه من فضة»، وكذلك ما ذكرناه من حديث عرفجة بن أسعد: «حيث أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتخذ أنفًا من ذهب».
ومعني قولنا: (لحاجة) أي: في موضع الحاجة، وإن قام غيرها مقامها في ذلك؛ لأن الحاجة داعية إلى الفضة نفسها.
والضرب الثاني: كثير للحاجة.. فتكره لكثرته، ولا تحرم للحاجة. وحد الكثير: أن يكون جزءا من الإناء كاملًا من الفضة؛ كأسفله أو جميع شفته.
والضرب الثالث: قليل لغير الحاجة.. فلا يحرم لقلته، ويكره لعدم الحاجة.
والضرب الرابع: كثير لغير حاجة.. فيحرم لعدم الحاجة.
والوجه الثالث: أنه مكروه غير محرم بحال، وهو قول أبي حنيفة.
دليلنا: ما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من شرب من إناء الذهب والفضة، أو إناء فيه شيء من ذلك.. فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم».
ولأن هذا فيه سرف وخيلاء، فأشبه الإناء.

.[فرع: فيما يتخذ من الذهب والفضة]

قال المسعودي [في"الإبانة": ق \ 13] إذا اتخذ شيئًا من ذهب أو فضة، أو ربط سنة بذلك، أو اتخذ أنفًا منهما.. جاز، والذهب أولى بالجواز؛ لأنه لا يصدأ ولا يبلى.
فإن اتخذ إصبعًا منهما.. لم يجز؛ لأنها لا تعمل، فلم يكن إلا مجرد الزينة. ولو اتخذ منهما أنملة.. جاز؛ لأنها تعمل بعمل الإصبع، فيمكن تحريكها بالقبض والبسط.

.[مسألة: استعمال أمتعة المشركين]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا بأس بالتوضؤ من ماء مشرك، وبفضل وضوئه).
وجملة ذلك: أن المشركين على ضربين:
ضرب: لا يتدينون باستعمال النجاسة. وضرب: يتدينون باستعمال النجاسة.
فأما الذين لا يتدينون باستعمال النجاسة، كاليهود والنصارى: فما تحقق طهارته من ثيابهم وأوانيهم.. فيجوز استعماله ولا يكره. وما تحقق نجاسته.. فلا يجوز استعماله. وما شك فيه من أوانيهم وثيابهم.. فيكره استعماله؛ لما روى أبو ثعلبة قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض أهل الكتاب، ونأكل في آنيتهم؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تأكلوا في آنيتهم، إلا إن لم تجدوا عنها بدًا.. فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أنا لسراويلاتهم، وما يلي أسافلهم أشد كراهية).
فإن توضأ بشيء من آنيتهم، أو صلى في شيء من ثيابهم، مما لم يتحقق نجاسته قبل الغسل.. صح.
وقال أحمد: لا يصح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ من مزادة مشركة».
و (المزادة): الراوية. وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أضافه وثني، فسقاه لبنًا فشربه، ولم يأمر بغسل ما سقاه فيه».
و (توضأ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ماء في جرة نصرانية).
وأما قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]. فأراد: نجس الأديان، لا الأبدان والثياب والأواني.
وأما الذين يتدينون باستعمال النجاسة، وهم المجوس؛ لأنهم يتطهرون بالبول، ويتقربون بأرواث البقر.. فهل يجوز استعمال أوانيهم وثيابهم، التي لم تعلم طهارتها، ولا نجاستها قبل غسلها؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال أبو إسحاق: لا يجوز قبل غسلها. وهو قول أحمد، وإسحاق؛ لأنهم يتدينون باستعمال النجاسة، فالظاهر من أوانيهم وثيابهم النجاسة.
والثاني: قال أبو علي بن أبي هريرة: يجوز، وهو المذهب، وبه قال مالك، وأبو حنيفة؛ لأن الأصل فيها الطهارة.
قال ابن الصباغ: وهكذا الوجهان في الطين في الطرق.
وهذا إنما هو في آنيتهم وثيابهم التي يستعملونها. فأما أوانيهم وثيابهم التي لا يستعملونها.. فإنها كآنية اليهود والنصارى، وقد مضى ذكرها.
ويستحب تغطية الإناء؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بتغطية الوضوء، وإيكاء السقاء». ولأنه أحوط. وبالله التوفيق.

.[باب السواك]

السواك غير واجب، وهو قول كافة العلماء. وقال داود وأهل الظاهر: (هو واجب).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولو كان واجبًا لأمرهم به، سواء شق أو لم يشق).
إذا ثبت أنه ليس بواجب.. فهو سنة، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أوصاني جبريل بالسواك حتى خفت أن يدردني».
وروي عن ابن عباس أنه قال: (في السواك عشر خصال: مطهرة للفم، مرضاة للرب، مفرحة للملائكة، مسخطة للشيطان، يذهب الحفر ويجلو البصر، ويشد اللثة، ويقلل البلغم، ويطيب الفم، وهو من السنة، ويزيد في الحسنات).
قال أبو علي في "الإفصاح" وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: السواك يزيد في الفصاحة» وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: (السواك يجلب الرزق).
وقيل: إن السواك من الكلمات التي قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124]. وهي عشر: (خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فاللواتي في الرأس: السواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، وفرق الشعر، واللواتي في الجسد: الختان، وحلق العانة، والاستنجاء، وتقليم الأظافر، ونتف الإبطين). وروي: (أن السواك كان في أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بمنزلة القلم من أذن الكاتب).
قال المسعودي: [في " الإبانة: ق \ 16"] وهل هو من سنن الوضوء؟ فيه وجهان. ويستحب عند ثلاثة أحوال:
أحدها: عند القيام إلى الصلاة، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك». ومعناه: أن ثواب صلاة بسواك أكثر من ثواب سبعين صلاة بغير سواك.
والثاني: عند اصفرار الأسنان، لما روى العباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «استاكوا لا تدخلوا علي قلحًا»، و (القلح): جمع أقلح، والقلح: صفرة الأسنان، قال الشاعر:
قد بنى اللؤم عليهم بينه ** وفشا فيهم مع اللؤم القلح.

والثالث: عند تغير الفم، وقد يتغير بالنوم، ويتغير بأكل الثوم والبصل والكراث ويتغير بالأزم، واختلفوا في الأزم:
فقيل: هو طول السكوت، ولهذا يقال: أزم الفرس على اللجام.
وقيل: هو من الجوع؛ ولهذا يقال: (نعم الدواء الأزم) يعني: الجوع.
وذكر بعض أصحابنا: أن السواك يستحب في حالين آخرين:
أحدهما: عند القيام إلى الوضوء.
والثاني: عند قراءة القرآن.
ولا يكره إلا في موضع واحد، وهو للصائم بعد الزوال.
وقال أبو حنيفة: (لا يكره).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
قال ابن الصفار: ومعنى الخبر: أن ثواب خلوف فم الصائم أفضل عند الله من ريح المسك؛ لأن الأشياء عند الله على خلاف حقائقها، والسواك يقطع ذلك فكره.
ويستحب أن يعود ذلك الصبيان، ليعتادوه عند بلوغهم. ويستحب أن يستاك بالأراك.
قال الصيمري: ولا بأس بالخلال قبل السواك وبعده.
ويستحب أن يكون عود الخلال من عود السواك، ولا يجوز السواك بما كان من المشمومات.
وبأي شيء استاك مما يزيل القلح والتغيير، كالخرقة الخشنة، أجزأه، فإن أمر أصبعه على أسنانه.. لم يجزئه.
وقال مالك: (يجزئه).
دليلنا: أن ذلك لا يسمى سواكًا، فلم يجزئه.
قال الصيمري: ويكره أن يدخل سواكه في وضوئه.
ويستحب إذا أراد السواك ثانيًا: أن يغسله. والمستحب إذا أراد السواك: أن يبدأ بالجانب الأيمن، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب التيامن في كل شيء»، ويستحب أن يستاك عرضًا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استاكوا عرضًا، وادهنوا غبا، واكتحلوا وترًا».
و (الدهان الغب): أن يدهن يومًا ثم يتركه حتى يجف رأسه، ثم يدهن؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الإرفاه». قال أبو عبيد: هو كثرة التدهن.
و (اكتحال الوتر): هو أن يكتحل في كل عين ثلاثة أطراف؛ لما روي: «أنه كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكحلة يكتحل منها كل ليلة - في كل عين - ثلاثة أطراف».

.[مسألة: ذكر خصال الفطرة]

قال الصيمري: وإن كانت له لحية.. فينبغي له أن يسرحها، ولا يتركها مشعانة، فإذا شابت.. غيرها بالحناء والكتم.
ويستحب أن يقلم الأظفار، ويقص الشارب، ويغسل البراجم - وهي عقد اليدين - وينتف الإبط، ويحلق العانة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124]، وقد تقدم تفسيرها.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفطرة: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، والانتضاح بالماء، والختان، والاستحداد».
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت فانتضح».
واختلف في (الانتضاح).
فقيل: هو الاستنجاء بالماء.
وقد روي: " الانتقاص بالماء " لأنه ينتقص البول، أي: يقطعه.
وقيل: هو أن ينضح فرجه بالماء بعد فراغه من الطهارة.

.[فرع: حكم الختان]

ويجب الختان في حق الرجال والنساء.
وقال أبو حنيفة: (هو سنة في حق الجميع).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، فأمر الله نبيه باتباع ملة إبراهيم.
وروي: «أن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختتن بالقدوم». وهو مقيل له، أي: كان ينزل به. وقيل: هي قرية بالشام، وقيل: هو الفأس.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأم عطية - وكانت تختن النساء -: «أشمي، ولا تنهكي»، وروي: «اخفضي ولا تنهكي.. فإنه أسرى لوجهها، وأحظى لها عند زوجها».
فقوله: " أشمي " أي: خذي قليلًا، وقوله: " لا تنهكي "، أي يعني: ولا تستقصي في القطع.
والختان في الرجل: هو أن تقطع الجلدة التي فوق الحشفة، حتى تنكشف جميعها. وفي المرأة: أن تقطع الجلدة التي فوق مدخل الذكر.
ويستحب أن يفعل ذلك يوم السابع من ولادته، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ختن الحسن والحسين يوم السابع»، ولأنه أسهل.
وأما وقت وجوبه: فلا يجب على الصبي حتى يبلغ؛ لأنها عبادة بدنية، فلم تجب على الصبي، كالصلاة، فإذا بلغ.. أُمر بالختان، فإن امتنع.. أجبره السلطان.
وهل يجب ذلك على الولي، أن يفعله بالصبي قبل بلوغه؟ فيه وجهان، حكاهما القاضي أبو الفتوح:
أحدهما: قال الصيدلاني، وأبو سليمان المروزي: يجب عليه، فإذا لم يفعله الولي حتى بلغ الصبي.. عصى الولي.
والثاني: قال سائر أصحابنا: لا يجب على الولي.
فإن كان هناك خنثى مشكل: قال القاضي أبو الفتوح: وجب عليه ختان الفرجين؛ لأن أحدهما أصلي يجب ختانه، والآخر زائد لا يجب ختانه، فوجب ختانهما ليسقط الفرض باليقين.
فإن قلتم: كيف أوجبتم قطعها، وإنما يجب عليه قطع أحدهما؟
قلنا: لأنه لما لم يتمكن من الوصول إلى قطع المستحق منهما إلا بقطعها.. وجب قطعهما، كما أن من تزوج بكرًا، لما لم يتمكن من وصوله إلى حقه إلا بإتلاف البكارة - وهي جزء منها - كان له ذلك، ولم يلزمه لأجله ضمان، وكما أنه إذا جبر عظمه بعظم نجس، والتحم اللحم عليه.. فإنه عليه شق الجلد واللحم؛ ليصل إلى العظم ويخرجه.
وذكر أبو المعالي الجويني: أن رجلًا لو توسط قومًا، ولم يجد سبيلًا إلى الخروج لكثرة الناس، فخاف أن يموت جوعًا أو عطشًا أو ضيق نفس، ولا يجد السبيل إلى الخروج إلا بوطء بعضهم وإتلافه.. كان له ذلك!.
إذا ثبت هذا: فإن كان الخنثى صغيرًا.. ختنه الرجال والنساء إذا قلنا: يجب ختان الصغير.
وإن قلنا: لا يجب ختان الصغير.. لا يختن الخنثى الصغير؛ لأنه لا يتعين المحل فإذا بلغ.. وجب عليه الختان بلا خلاف على المذهب.
ومن الذي يتولى ذلك منه؟ ينظر فيه:
فإن كان يحسن ذلك بنفسه.. تولاه، وإن لم يقدر على ذلك لجبنه أو لقلة إحسانه.. اشترى له جارية تتولى ذلك منه.
وإن لم توجد جارية تحسن ذلك.. جاز أن يتولاه الرجال والنساء منه؛ لأن هذا موضع ضرورة، فجاز للرجال والنساء، كالطبيب.
وإن كان لرجل ذكران، فإن عرف الأصلي منهما.. وجب ختانه دون غيره.
قال صاحب "الإبانة" [ق 25 – 26] ويعرف الأصلي بالبول.
وقال غيره من أصحابنا: يعرف بالعمل، فإن كانا عاملين، أو كان يبول منهما، وكانا على منبت الذكر على حد السواء.. وجب ختانهما، كما قلنا في الخنثى المشكل. وبالله التوفيق.

.[باب نية الطهارة]

الطهارة ضربان: طهارة عن نجس، وطهارة عن حدث.
فأما الطهارة عن النجس: فلا تفتقر إلى النية في قول عامة أصحابنا.
وحكى صاحب "الإبانة" [ق \ 13] أن أبا العباس بن سريج قال: لا تصح من غير نية، كطهارة الحدث.
والأول هو المشهور؛ لأن إزالة النجاسة من باب التروك، فلا تفتقر إلى النية، كما لا يفتقر ترك الزنا والغصب إلى النية، ولا يلزم الصوم حيث افتقر إلى النية وإن كان من باب التروك؛ لأنه ترك معتاد، فافتقر إلى النية ليتميز الترك الشرعي عن غيره.
وأما الطهارة عن الحدث - وهو الوضوء، والغسل والتيمم -: فلا يصح شيء من ذلك إلا بالنية. وبه قال ربيعة، ومالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وداود. وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال أبو حنيفة: (يصح الوضوء، والغسل بغير نية، ولا يصح التيمم إلا بالنية).
وقال الحسن بن صالح بن حي: يصح الوضوء، والغسل، والتيمم بغير نية.
وعن الأوزاعي روايتان: إحداهما: كقول الحسن بن صالح. والأخرى: كقول أبي حنيفة.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله.. فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها.. فهجرته إلى ما هاجر إليه».
قلنا: من الخبر ثلاثة أدلة:
أحدها: قوله: «إنما الأعمال بالنيات» ولم يرد: أن صور الأعمال لا توجد إلا بالنية؛ لأن صورها قد توجد من غير نية، وإنما أراد: أن حكم الأعمال لا توجد إلا بالنية.
والثاني: قوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى» دليل خطابه: أن من لم ينو.. فليس له.
والثالث: أن هذا الخبر ورد على سبب، وذلك: أن رجلًا هاجر من مكة إلى المدينة بسبب امرأة يقال لها: أم قيس، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: «إنما الأعمال بالنيات».. " الخبر إلى آخره. فأخبر: أن الأعمال لا تكون قربة وطاعة إلى بالقصد إلى الطاعة والقربة؛ ولأنها عبادة محضة، وطريقها الأفعال، فلم تصح من غير نية كالصلاة.
فقولنا: (محضة) احترازًا من العدة، ومن غسل الذمية.
وقولنا: (طريقها الأفعال) احترازًا من الخطبة، والقراءة في الصلاة.

.[فرع:لا تصح العبادة إلا بعد الإسلام]:

إذا توضأ الكافر أو تيمم، ثم أسلم.. لم يصح وضوؤه، ولا تيممه.
وقال أبو حنيفة: (يصح وضوؤه، دون تيممه) بناءً على أصله: أن الوضوء يصح من غير نية.
دليلنا: أن الوضوء طهارة، تستباح بها الصلاة، لم تصح من غير نية تنظر من الكافر، كالتيمم.

.[مسألة: في النية ومحلها وزمنها وكيفيتها]

إذا ثبت وجوب النية: فالكلام فيها في أربعة فصول:
في محلها، وفي وقت استحبابها، وفي وقت وجوبها، وفي صفتها.
فأما محلها: فالواجب أن ينوي بقلبه وهو: أن يقصد فعل ذلك بقلبه؛ لأن النية هي القصد - تقول العرب: نواك الله بخير، أي: قصدك الله بخير، وتقول: نويت بلد كذا، أي: قصدت إليه - إلا أن المستحب أن يقصد ذلك بقلبه، ويتلفظ به بلسانه؛ ليكون اللفظ به أعون له على خلوص القصد، فإن تلفظ به بلسانه من غير قصد في القلب.. لم يجزئه؛ لأنه قد يتلفظ بذلك عادة، وإن قصده بقلبه، ولم يتلفظ به.. أجزأه.
وأما وقت استحبابها: فيستحب أن ينوي ذلك أول الطهارة وهي: عند غسل كفيه، ويستصحب ذكرها إلى آخر الوضوء؛ لتشتمل نيته على الفرائض والسنن.
وأما وقت وجوبها: فإنه ينوي مع غسل أول جزء من الوجه، ثم يستصحب حكم النية في باقي أعضائه، وهو: ألا ينوي قطعها ولا ما ينافيها؛ لأن الوجه أول أعضاء الطهارة الواجبة، فأجزأه ذكر النية عنده، كالصلاة.
قال الطبري: إذا غسل كفيه، وتمضمض، واستنشق من غير نية.. لم يحصل له ثواب ذلك.

.[فرع: ذهاب النية]

وإن نوى الطهارة عند المضمضة والاستنشاق، ثم عزبت نيته - أي: انقطعت - فإن كان قد غسل شيئًا من وجهه مع المضمضة والاستنشاق، مثل: رأس أنفه، أو ظاهر شفتيه.. نظرت:
فإن غسل ذلك بنية غسل الوجه.. لم يؤثر انقطاع النية بعد ذلك؛ لأنها قد وجدت مع غسل أول فرض من فروض الطهارة.
وإن غسل ذلك من وجهه لا بنية غسل الوجه.. فهل يكون حكمه حكم من غسله بنية غسل الوجه، أو حكم من لم يغسل شيئًا من وجهه؟ فيه وجهان، حكاهما في "الفروع":
أحدهما: حكمه حكم من غسله بنية غسل الوجه؛ لأنه قد وجد منه غسل جزء من الوجه بنية الطهارة.
والثاني: حكمه حكم من لم يغسل شيئًا من وجهه؛ لأنه لم يغسل ذلك بنية غسل الوجه.
وإن عزبت نيته قبل أن يغسل شيئًا من وجهه.. فهل يجزئه شيء من ذلك؟ فيه وجهان، وحكاهما في "الفروع" قولين:
أحدهما: يجزئه؛ لأنه فعل راتب في الوضوء لم يتقدمه فرض، فإذا عزبت النية عنده.. أجزأه كغسل الوجه.
وقولنا: (فعل) احتراز من التسمية، فإنها لو عزبت النية عندها.. لم يجزئه.
وقولنا: (راتب في الوضوء) احتراز من الاستنجاء، فإنه ليس براتب في الوضوء، بل لو استنجى بعد الوضوء.. كان كما لو استنجى قبله؛ ولأن الطهارة قد تخلو من الاستنجاء.
وقولنا: (لم يتقدمه فرض) احتراز من غسل اليدين؛ لأنه لو لم ينو إلا عندهما.. لم يجزئه.
والوجه الثاني: لا يجزئه، وهو الصحيح؛ لأن نيته عزبت قبل الفرض، فلم يجزئه، كما لو عزبت عند غسل الكف.
وما قاله الأول ينتقض بغسل الكف، فإنه فعل راتب في الوضوء لم يتقدمه فرض، وإن عزبت النية عنده.. لم يجزئه.
وهذه طريقة أكثر البغداديين من أصحابنا: أن نيته إن انقطعت عند غسل الكف.. لم يجزئه.
وأما المسعودي [في "الإبانة": ق \ 16]، وصاحب "الفروع" فقالا: إذا عزبت نيته عند غسل الكف.. هل يجزئه؟ على وجهين أيضًا، كالمضمضة والاستنشاق.
قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 16] وكذلك إذا عزبت نيته عند الاستنجاء، أو عند السواك - إذا قلنا: إنهما من سنن الوضوء - فهل يجزئه ذلك؟ على وجهين، كما لو عزبت عند المضمضة والاستنشاق.